كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثُمَّ أَجَابَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ السِّفْرَ الرَّابِعَ مِنْ سِفْرِ عِزْرَا (كَذَا) لَيْسَ بِقَانُونِيٍّ، وَأَنَّ نُسَخَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا مَحْفُوظَةً فِي الْهَيْكَلِ أَوْ فِي أُورْشَلِيمَ، وَأَنَّ الْآبَاءَ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ اسْتَشْهَدَ الْمُعْتَرِضُونَ بِأَقْوَالِهِمْ إِنَّمَا يُؤْخَذُ بِتَعْلِيمِهِمْ لَا بِرَأْيِهِمْ، قَالَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُمْ غَيْرُ التَّعْلِيمِيِّ غَيْرَ مُصِيبٍ؛ إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ إِذْ سَمَّوْا عِزْرَا مُرَمِّمَ الْأَسْفَارِ الْمُقَدَّسَةِ إِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ بَعْدَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ جَمَعَ كَلَّ مَا تَمَكَّنَ مِنْ جَمْعِهِ مِنْ نُسَخِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَقَابَلَهَا وَجَعَلَ مِنْهَا مَجْمُوعًا مُنَقَّحًا مُجَرَّدًا عَنِ الْأَغْلَاطِ الَّتِي كَانَتْ قَدِ انْدَسَّتْ فِيهِ. اهـ.
وَنَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ تَأْوِيلٌ لِأَقْوَالِ الْقِدِّيسِينَ الْمَذْكُورِينَ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعْلِيمَهُمْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِمْ، وَاحْتِمَالَاتٌ وَدَعَاوَى فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، دَلِيلٌ عَلَيْهَا؛ إِذْ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ قَبْلَ عِزْرَا كِتَابٌ اسْمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، وَلَا أَنَّ أَسْفَارَ مُوسَى كَانَ يُوجَدُ مِنْهَا نُسَخٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَفِي التَّارِيخِ أَنَّ مَا كَتَبَهُ عِزْرَا مِنْهَا قَدْ فُقِدَ أَيْضًا، وَكَانَ يُوجَدُ فِيهِ الْأُلُوفُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْبَابِلِيَّةِ- وَعِبَارَاتٌ كَانَ عِزْرَا يَشُكُّ فِيهَا- وَأَغْلَاطٌ كَثِيرَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَتَمَحَّلُونَ فِي الْأَجْوِبَةِ عَنْهَا، فَنُسْخَةُ عِزْرَا لَيْسَتْ عَيْنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي كَانَ كَتَبَهَا مُوسَى قَطْعًا.
وَقَدْ جَاءَ فِي ص167 مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ إِظْهَارِ الْحَقِّ (طَبْعَةَ الْآسِتَانَةِ)
بَعْدَ نَقْلِ نَحْوٍ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ سَفَرِ عِزْرَا وَإِحْرَاقِ التَّوْرَاةِ وَجَمْعِ عِزْرَا لَهَا بِإِعَانَةِ رُوحِ الْقُدُسِ- مَا نَصُّهُ: وَقَالَ كِلِيمْنِسْ اسْكَنْدَرْ يَانُوسَ: إِنَّ الْكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ ضَاعَتْ فَأُلْهِمَ عِزْرَا أَنْ يَكْتُبَهَا مَرَّةً أُخْرَى. اهـ.
وَقَالَ ترتولينُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ عِزْرَا كَتَبَ مَجْمُوعَ الْكُتُبِ بَعْدَ مَا أَغَارَ أَهْلُ بَابِلَ بُرُوشَالِمَ (؟) اهـ. وَقَالَ تهيوفلكتُ: إِنَّ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ انْعَدَمَتْ رَأْسًا، فَأَوْجَدَهَا عِزْرَا مَرَّةً أُخْرَى بِإِلْهَامٍ. اهـ.
وَقَالَ جَانْ مِلْنَرْ كَاتْلِكَ فِي الصَّفْحَةِ 115 مِنْ كِتَابِهِ الَّذِي طُبِعَ فِي بَلْدَةِ دَرْبِي سَنَةَ 1843: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نُسْخَةَ التَّوْرَاةِ الْأَصْلِيَّةِ وَكَذَا نُسَخُ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ ضَاعَتْ مِنْ أَيْدِي عَسْكَرِ بُخْتُ نَصَّرَ، وَلَمَّا ظَهَرَتْ نَقُولُهَا الصَّحِيحَةُ بِوَاسِطَةِ عِزْرَا ضَاعَتْ تِلْكَ النُّقُولُ أَيْضًا فِي حَادِثَةِ أَنْتِيُوكَسَ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. اهـ.
ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ إِظْهَارِ الْحَقِّ ذَكَرَ فِي بَحْثِ إِثْبَاتِ تَحْرِيفِ كُتُبِهِمْ (ص235- 39) مَا فِي تَوَارِيخِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ (سِفْرِ الْمُلُوكِ وَسِفْرِ الْأَيَّامِ) مَنْ خَبَرِ ارْتِدَادِ أَكْثَرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ آخِرِ مُدَّةِ سُلَيْمَانَ، الَّذِي كَانَ أَوَّلَ مَنِ ارْتَدَّ وَعَبَدَ الْأَوْثَانَ وَبَنَى لَهَا الْمَعَابِدَ بِزَعْمِهِمْ، وَوَلَدَيْهِ اللَّذَيْنِ اقْتَسَمَا مُلْكَهُ فَكَانَ مَمْلَكَتَيْنِ، مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنْ عَشْرَةِ أَسْبَاطٍ، وَمَمْلَكَةَ يَهُوذَا الْمُؤَلَّفَةَ مِنَ السِّبْطَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَغَلَبَةُ الْوَثَنِيَّةِ وَعِبَادَةُ الْأَصْنَامِ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْأُولَى أَغْلَبَ. وَامْتَدَّ ذَلِكَ زُهَاءَ أَرْبَعَةِ قُرُونٍ، لَمْ يَعُدْ لِلْمَمْلَكَتَيْنِ فِيهَا حَاجَةٌ إِلَى التَّوْرَاةِ، إِلَى أَنْ جَلَسَ (يُوشِيَا) بْنُ (آمُونَ) عَلَى سَرِيرِ السَّلْطَنَةِ فَتَابَ مِنَ الشِّرْكِ، وَأَرَادَ إِعَادَةَ دِينِ مُوسَى إِلَى الشَّعْبِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ نُسْخَةً مِنَ التَّوْرَاةِ إِلَى سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ؛ إِذِ ادَّعَى حَلْقِيَا الْكَاهِنُ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ أَنَّهُ وَجَدَ نُسْخَةً مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى فِي بَيْتِ الرَّبِّ (وَيَقُولُ صَاحِبُ قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ رُبَّمَا كَانَتْ سِفْرَ التَّثْنِيَةِ وَحْدَهُ) وَيَدَّعُونَ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى عَلَى تِلْكَ النُّسْخَةِ مُدَّةَ الثَّلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ مُلْكِهِ، وَقَدِ ارْتَدَّ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُلُوكِ، وَسَلَّطَ اللهُ عَلَى أَوَّلِهِمْ مَلِكَ مِصْرَ، وَعَلَى ثَالِثِهِمْ بُخْتُ نَصَّرَ، وَلَمْ تُذْكَرْ نُسْخَةُ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَعْدِهِ فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا أَصَابَهَا.
وَأَمَّا مَا كَتَبَهُ عِزْرَا فُقِدَ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ اسْتِيلَاءِ انْطُويُوكَسْ مَلِكِ سُورِيَةَ عَلَى أُورْشَلِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ وَضَّحَهُ بِقَوْلِهِ فِي (ص238 ج1) فَقَالَ: لَمَّا كَتَبَ عِزْرَا عَلَيْهِ السَّلَامُ كُتُبَ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى زَعْمِهِمْ وَقَعَتْ حَادِثَةٌ أُخْرَى جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ لِلْمَكَابِيِّينَ هَكَذَا.
لَمَّا فَتَحَ انْتِيُوكَسْ مَلِكُ مُلُوكِ الْإِفْرِنْجِ (كَذَا) أُورْشَلِيمَ، أَحْرَقَ جَمِيعَ نُسَخِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ بَعْدَمَا قَطَّعَهَا، وَأَمَرَ أَنَّ مَنْ يُوجَدْ عِنْدَهُ نُسْخَةٌ مِنْ نُسَخِ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ أَوْ يُؤَدِّي رَسْمَ الشَّرِيعَةِ يُقْتَلْ، وَكَانَ تَحْقِيقُ هَذَا الْأَمْرِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَكَانَ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ نُسْخَةً مِنْ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ، أَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَدَّى رَسْمًا مِنْ رُسُومِ الشَّرِيعَةِ، وَتُعْدَمُ تِلْكَ النُّسْخَةُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ كَانَتْ سَنَةَ 161 ق. م، وَامْتَدَّتْ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ كَمَا فُصِّلَتْ فِي تَوَارِيخِهِمْ وَتَارِيخِ يُوسِيفُوسَ. (قَالَ) فَانْعَدَمَتْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ جَمِيعُ النُّسَخِ الَّتِي كَتَبَهَا عِزْرَا كَمَا عَرَفْتَ فِي الشَّاهِدِ 16 مِنَ الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلَامِ جانْ مِلْنَرْ كَاتْلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي حَادِثَةِ اسْتِيلَاءِ الْإِمْبِرَاطُورِ تِيطَسَ الرُّومِيِّ عَلَى أُورْشَلِيمَ وَبِلَادِ الْيَهُودِ، أُتْلِفَتْ نُسَخٌ كَثِيرَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَسِيحِ كَمَا بَيَّنَهُ يُوسِيفُوسُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ.
نَكْتَفِي بِهَذَا الْبَيَانِ هُنَا وَلَنَا فِيهِ غَرَضَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَدِينُونَ لِعُزَيْرٍ هَذَا فِي مُسْتَنَدِ دِينِهِمْ، وَأَصْلِ كُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ عِنْدَهُمْ. (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذَا الْمُسْتَنَدَ وَاهِي الْبَيَانِ مُتَدَاعِي الْأَرْكَانِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ أُورُبَّةَ الْأَحْرَارُ، فَقَدْ جَاءَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْبِرِيطَانِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي سِفْرِهِ وَسِفْرِ نِحْمِيَا مِنْ كِتَابَتِهِ لِلشَّرِيعَةِ: أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ إِلَيْهِمُ الشَّرِيعَةَ الَّتِي أُحْرِقَتْ فَقَطْ، بَلْ أَعَادَ جَمِيعَ الْأَسْفَارِ الْعِبْرِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ أُتْلِفَتْ، وَأَعَادَ سَبْعِينَ سِفْرًا غَيْرَ قَانُونِيَّةٍ [أَبُو كَرِيفٍ] ثُمَّ قَالَ كَاتِبُ التَّرْجَمَةِ فِيهَا: وَإِذَا كَانَتِ الْأُسْطُوْرَةُ الْخَاصَّةُ بِعِزْرَا هَذَا قَدْ كَتَبَهَا مَنْ كَتَبَهَا الْمُؤَرِّخِينَ بِأَقْلَامِهِمْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِلَى كِتَابٍ آخَرَ- فَكُتَّابُ هَذَا الْعَصْرِ يَرَوْنَ أَنَّ أُسْطُورَةَ عِزْرَا قَدِ اخْتَلَقَهَا أُولَئِكَ الرُّوَاةُ اخْتِلَاقًا.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا وَمَا زَالُوا يُقَدِّسُونَ عُزَيْرًا هَذَا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبَ ابْنِ اللهِ، وَلَا نَدْرِي أَكَانَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى التَّكْرِيمِ الَّذِي أُطْلِقَ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَدَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا، أَمْ بِالْمَعْنَى الَّذِي سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ فَيْلَسُوفِهِمْ (فَيْلُو) وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ فَلْسَفَةِ وَثَنِيِّ الْهِنْدِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ عَقِيدَةِ النَّصَارَى. وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْقَوْلِ إِلَيْهِمْ يُرَادُ بِهِ بَعْضُهُمْ لَا كُلُّهُمْ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ آيَاتِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي تَحْكِي عَنْهُمْ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا مُسْنَدَةً إِلَيْهِمْ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَهِيَ مِمَّا صَدَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَهِيَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ تَقْرِيرُ أَنَّ الْأُمَّةَ تُعَدُّ مُتَكَافِلَةً فِي شُئُوْنِهَا الْعَامَّةِ، وَأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْفِرَقِ أَوِ الْجَمَاعَاتِ أَوِ الزُّعَمَاءُ مِنْهَا يَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي جُمْلَتِهَا، وَأَنَّ الْمُنْكَرَ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ إِذَا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ وَيُزِيلُوهُ يُؤَاخَذُونَ بِهِ كُلُّهُمْ، وَبَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [8: 25] أَنَّ مِنْ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ أَنَّ الْمَصَائِبَ وَالرَّزَايَا الَّتِي تَحِلُّ بِالْأُمَمِ بِفُشُوِّ الْمَفَاسِدِ وَالرَّذَائِلِ فِيهَا لَا تَخْتَصُّ الَّذِينَ تَلَبَّسُوا بِتِلْكَ الْمَفَاسِدِ وَحْدَهُمْ، كَمَا أَنَّ الْأَوْبِئَةَ الَّتِي تَحْدُثُ بِكَثْرَةِ الْأَقْذَارِ فِي الشَّعْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي الشَّهَوَاتِ تَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ مِنَ الْيَهُودِ فَهُمْ بَعْضُ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، كَالَّذِينِ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [5: 64] الْآيَةَ، وَالَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [3: 181] رَدًّا عَلَى قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا} [2: 245]؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ غَيْرُهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا.
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى وَأَبُو أَنَسٍ وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ فَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُكَ وَقَدْ تَرَكْتَ قِبْلَتَنَا، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللهِ؟ وَإِنَّمَا قَالُوا هُوَ ابْنُ اللهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ عُزَيْرًا كَانَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَتِ التَّوْرَاةُ عِنْدَهُمْ يَعْمَلُونَ بِهَا مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلُوا، ثُمَّ أَضَاعُوهَا وَعَمِلُوا بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَكَانَ التَّابُوتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَى اللهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ قَدْ أَضَاعُوا التَّوْرَاةَ، وَعَمِلُوا بِالْأَهْوَاءِ رَفَعَ عَنْهُمُ التَّابُوتَ وَأَنْسَاهُمُ التَّوْرَاةَ وَنَسَخَهَا مِنْ صُدُورِهِمْ (وَذَكَرَ الرَّاوِي حِكَايَةً إِسْرَائِيلِيَّةً قَالَ فِي آخِرِهَا: إِنَّ عُزَيْرًا صَلَّى وَدَعَا اللهَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ ذَهَبَ مِنْ جَوْفِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ فَاسْتَجَابَ لَهُ فَصَارَ يُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا، ثُمَّ نَزَلَ التَّابُوتُ عَلَيْهِمْ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ مَا عَلَّمَهُمْ عُزَيْرٌ فَوَجَدُوهُ مِثْلَهُ).
فَنَحْنُ نَأْخُذُ بِمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً عَمَّنْ جَاءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَهُودِ وَقَالُوا مَا قَالُوا، فَإِنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَقَعَ فِي زَمَنِهِ فَأَخْبَرَ عَمَّا رَأَى وَسَمِعَ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ مِنْ سَبَبِ قَوْلِهِمْ فَمَا هُوَ إِلَّا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِهِمْ كَذَبُوا فِيهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا سَمِعَهُ مَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ إِذْ رَوَى عَنْهُ كَثِيرًا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَا عُزَيْرٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُلْقِيَ التَّوْرَاةَ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَلْبِهِ، فَأَنْزَلَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَبَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ رِوَايَاتٍ أُخْرَى إِسْرَائِيلِيَّةً خُرَافِيَّةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ اللهَ سَلَّطَ بُخْتُ نَصَّرَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَرَّقَ التَّوْرَاةَ، وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَعُزَيْرٌ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَلَحِقَ بِالْجِبَالِ يَتَعَبَّدُ فِيهَا، وَأَنَّ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ لَهُ فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهُ سَيَنْبُعُ فِي مُصَلَّاهِ عَيْنُ مَاءٍ، وَتَنْبُتُ فِيهِ شَجَرَةٌ فَإِذَا شَرِبَ مِنَ الْعَيْنِ، وَأَكَلَ مِنَ الثَّمَرَةِ جَاءَهُ مَلَكَانِ- (إِلَى أَنْ قَالَ) فَجَاءَ الْمَلَكَانِ وَمَعَهُمَا قَارُورَةٌ فِيهَا نُورٌ فَأَوْجَرَاهُ مَا فِيهَا فَأَلْهَمَهُ اللهُ التَّوْرَاةَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَذِهِ الْخُرَافَةَ عَنِ السُّدِّيِّ بِأَطْوَلَ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا ذَكَرْنَا هَذَا إِلَّا لِنُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّهُ مِنْ شَرِّ الْخُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ الَّتِي كَانَ يَغُشُّ النَّاسَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَيْسَ فِي كُتُبِ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَاجَتْ عَلَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ، وَلاسيما سِفْرُ الْأَيَّامِ الثَّانِي، وَسِفْرَيْ عُزَيْرٍ وَنِحْمِيَا، وَلَا عَلَى غَيْرِهِمَا مَنْ كُتُبِهِمْ، وَلَا عَلَى تَارِيخِ يُوسِيفُوسَ الْيَهُودِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّوَارِيخِ، دَعْ كُتُبَ أَحْرَارِ الْإِفْرِنْجِ وَمُؤَرِّخِيهِمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ بَعْضَ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللهِ كَانُوا مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ كَانَ (فَيْلُو) الْفَيْلَسُوفُ الْيَهُودِيُّ الْإِسْكَنْدَرِيُّ الْمُعَاصِرُ لِلْمَسِيحِ يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ ابْنًا هُوَ كَلِمَتُهُ الَّتِي خَلَقَ بِهَا الْأَشْيَاءَ- فَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى عَصْرِ الْبِعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ قَدْ قَالُوا إِنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللهِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ هَذَا الْقَوْلُ كَانَ يَقُولُهُ الْقُدَمَاءُ مِنْهُمْ، وَيَقْصِدُونَ بِهِ مَعْنًى مَجَازِيًّا كَالْمَحْبُوبِ وَالْمُكَرَّمِ، ثُمَّ سَرَتْ إِلَيْهِمْ فَلْسَفَةُ الْهُنُودِ فِي (كِرَشْنَا) وَغَيْرِهِمْ مِنْ قُدَمَاءِ الْوَثَنِيِّينَ، ثُمَّ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ فِرَقُهُمُ الْمَعْرُوفَةُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، وَعَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ، وَعَلَى أَنَّ (ابْنَ اللهِ) بِمَعْنَى (اللهِ) وَبِمَعْنَى (رُوحِ الْقُدُسِ)؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، هَذَا تَعْلِيمُ الْكَنَائِسِ الَّذِي قَرَّبَتْهُ الْمَجَامِعُ الرَّسْمِيَّةُ، بِتَأْثِيرِ الْفَلْسَفَةِ الرُّومِيَّةِ، وَلَكِنْ بَعْدَ الْمَسِيحِ وَتَلَامِيذِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُونٍ، وَيُخَالِفُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَعْظَمُهُمْ شَأْنًا الْمُوَحِّدُونَ وَالْعَقْلِيُّونَ. وَالْكَنَائِسُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ وَالْأَرْثُوذُكْسِيَّةُ وَالْبُرُوتِسْتَانْتِيَّةُ لَا تَعْتَدُّ بِنَصْرَانِيَّتِهِمْ وَلَا بِدِينِهِمْ، وَهَاكَ خُلَاصَةً تَارِيخِيَّةً فِي أَطْوَارِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، وَهِيَ مَا فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْبُسْتَانِيِّ، قَالَ:
ثَالُوثٌ Trinite- y كَلِمَةٌ تُطْلَقُ عِنْدَ النَّصَارَى عَلَى وُجُودِ ثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ مَعًا فِي اللَّاهُوتِ تُعْرَفُ (بِالْآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ) وَهَذَا التَّعْلِيمُ هُوَ مِنْ تَعَالِيمِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ وَالشَّرْقِيَّةِ وَعُمُومِ الْبُرُوتِسْتَانْتِ إِلَّا مَا نَدَرَ، وَالَّذِينَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَذَا التَّعْلِيمِ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَقَدْ أَضَافَ اللَّاهُوتِيُّونَ إِلَيْهِ شُرُوحًا وَإِيضَاحَاتٍ اتَّخَذُوهَا مِنْ تَعَالِيمِ الْمَجَامِعِ الْقَدِيمَةِ وَكِتَابَاتِ آبَاءِ الْكَنِيسَةِ الْعِظَامِ، وَهِيَ تَبْحَثُ عَنْ طَرِيقَةِ وِلَادَةِ الْأُقْنُومِ الثَّانِي، وَانْبِثَاقِ الْأُقْنُومِ الثَّالِثِ، وَمَا بَيْنَ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ مِنَ النِّسْبَةِ وَصِفَاتِهِمُ الْمُمَيِّزَةِ وَأَلْقَابِهِمْ، وَمَعَ أَنَّ لَفْظَةَ ثَالُوثٍ لَا تُوجَدُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْتَى بِآيَةٍ مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ تُصَرِّحُ بِتَعْلِيمِ الثَّالُوثِ، قَدِ اقْتَبَسَ الْمُؤَلِّفُونَ الْمَسِيحِيُّونَ الْقُدَمَاءُ آيَاتٍ كَثِيرَةً تُشِيرُ إِلَى وُجُودِ صُورَةٍ جَمْعِيَّةٍ فِي اللَّاهُوتِ، وَلَكِنْ إِذْ كَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ قَابِلَةً لِتَفَاسِيرَ مُخْتَلِفَةٍ، كَانَتْ لَا يُؤْتَى بِهَا كَبُرْهَانٍ قَاطِعٍ عَلَى تَعْلِيمِ الثَّالُوثِ، بَلْ كَرُمُوزٍ إِلَى الْوَحْيِ الْوَاضِحِ الصَّرِيحِ الَّذِي يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَقَدْ اقْتُبِسَ مِنْهُ مَجْمُوعَانِ كَبِيرَانِ مِنَ الْآيَاتِ كَحُجَجٍ لِإِثْبَاتِ هَذَا التَّعْلِيمِ (أَحَدُهُمَا) الْآيَاتُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْآبُ وَالِابْنُ وَالرُّوحُ الْقُدُسُ مَعًا. (وَالْآخَرُ) الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ، وَالَّتِي تَحْتَوِي عَلَى نَوْعِ أَخَصِّ صِفَاتِهِمْ وَنِسْبَةِ أَحَدِهِمْ إِلَى الْآخَرِ.
وَالْجِدَالُ عَنِ الْأَقَانِيمِ فِي اللَّاهُوتِ ابْتَدَأَ فِي الْعَصْرِ الرَّسُولِيِّ، وَقَدْ نَشَأَ عَلَى الْأَكْثَرِ عَنْ تَعَالِيمِ الْفَلَاسِفَةِ الْهِيلَانِيِّينَ وَالْغَنُوسْطِيِّينَ، فَإِنَّ ثِيُوفِيلُوسَ أُسْقُفَّ أَنْطَاكِيَةَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي اسْتَعْمَلَ كَلِمَةَ ثرياسَ بِالْيُونَانِيَّةِ، ثُمَّ كَانَ ترتليانوسُ أَوَّلَ مَنِ اسْتَعْمَلَ كَلِمَةَ ترينيتاسَ الْمُرَادِفَةَ لَهَا وَمَعْنَاهَا الثَّالُوثُ، وَفِي الْأَيَّامِ السَّابِقَةِ لِلْمَجْمَعِ النِّيقَاوِيِّ حَصَلَ جِدَالٌ مُسْتَمِرٌّ فِي هَذَا التَّعْلِيمِ، وَعَلَى الْخُصُوصِ فِي الشَّرْقِ، وَحَكَمَتِ الْكَنِيسَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْآرَاءِ بِأَنَّهَا أَرَاتِيكِيَّةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا آرَاءُ الْأَبْيُونِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ إِنْسَانٌ مَحْضٌ، وَالسَّابِلِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآبَ وَالِابْنَ وَالرُّوحَ الْقُدُسَ إِنَّمَا هِيَ صُورَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَعْلَنَ بِهَا اللهُ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ، وَالْآرْيُوسِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الِابْنَ لَيْسَ أَزَلِيًّا كَالْآبِ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْهُ قَبْلَ الْعَالَمِ؛ وَلِذَلِكَ هُوَ دُونَ الْأَبِ وَخَاضِعٌ لَهُ، وَالْمَكْدُونِيِّينَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا كَوْنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ أُقْنُومًا.